ولد الفرد نوبل في ستوكهولم عاصمة السويد في عام 1833 ،
من عائلة فقيرة ، ولم يستطع استيعاب دراسة رسمية منظمة ، فترك المدرسة بعد
فصلين دراسيين فقط ، ولكنه استطاع بعقليته المتوقدة وذكائه الحاد ان يواصل
تعليمه بنفسه ليؤهل نفسه ليكون كيمياويا ومهندسا ، وقد سافر نوبل الى خارج
بلاده عام 1850 لاكمال دراسته الهندسية ، وقضى سنة في الولايات المتحدة
الامريكية ، وزمنا طويلا في سانت بطرسبورغ ، واخيرا عاد الى بلاده ليكرس
علمه وجهده في دراسة غريبة … تطوير المتفجرات .
وبعد سنوات من الجهد والمثابرة ، نجح في اختراع
الديناميت .. ثم ابتدع متفجرات اخرى ، ثم اخترع ـ اخيرا ـ جهاز تفجير
المواد الناسفة الذي لا يمكن بدونه استخدام المتفجرات .
ومن صناعة المتفجرات ، واستغلال حقول نفط باكو في
روسيا ، جمع نوبل ثروة طائلة ، ولكنه كان معتل الصحة ، بقي يكافح المرض
طيلة حياته التي قضاها عزبا لم يتزوج .
كان هذا الرجل العبقري مجموعة من المتناقضات ، كان
معتل الصحة طيلة حياته ، ومع هذا استطاع ان يقوم باعمال باهرة يعجز عنها
الاصحاء ، ومن الفقر والمتاعب في بدء حياته ، استطاع ان يكون ثروة ضخمة ،
ولم يتلق تعليما منظما ، ومع هذا استطاع ان يحل اعقد المشكلات العلمية ،
وكرس حياته لاختراع الديناميت ، ومع هذا كان يكره العنف والحرب ويعتبرها ((
هول الاهوال واكبر الجرائم )) ، واصبح من كبار الأثرياء والرأسماليين ،
ومع هذا كان يؤمن بالاشتراكية ، وكان عالما عمليا ورجل اعمال من الطراز
الاول ، ومع هذا كان شاعرا حالما خياليا ينظم الشعر ويترجم الادب الاجنبي
الذي يعجبه ـ وخاصة ادب فولتير ـ ويؤلف القصص ـ وهي قصص لم تنشر مثل (( في
افريقيا المضيئة )) و (( الشقيقان )) ـ وكان متشائما كثير الشك لم ينعم
بالسعادة وراحة البال ، ومع هذا كان صديقا للانسانية ، وقضى حياته عزبا..
ومع هذا فقد احب ثلاثة مرات في حياته ، كانت الاولى حب
شبابه الاول في باريس عام 1856 م ، وكانت فتاة جميلة جذابة بادلته الحب
ولكنها توفيت في ميعة الصبا ، فكانت وفاتها صدمة عنيفة لقلبه الشاب ، لم
يفق منها الا بعد عشرين عاما عندما خفق قلبه مرة اخرى عام 1876 م ، وهو في
الثالثة والاربعين من عمره لسكرتيرته الجميلة الكونتيسة بيرتا كينسكي ، كان
رجلا في عنفوان رجولته ، وثريا ومشهورا ، ولكنه عندما صارحها بعواطفه ،
صارحته هي بدورها انها تحب رجلا آخر ما لبثت ان تركت عملها مع نوبل لتتزوجه
، وليندفع نوبل بعدها بشهور الى حبه الثالث والاخير عندما التقى بفتاة
جميلة تبيع الزهور في فيينا ، كان اسمها صوفي ، وكانت في العشرين ، ومن
اسرة متواضعة ، وقد تعلق بها نوبل كثيرا ، اسكنها شقة فاخرة في باريس ،
واغدق عليها في الانفاق ، وحاول ان يجعل منها ـ وهي الفتاة الامية ـ فتاة
مثقفة ، لكي يرتبط بها ، ولكنه فشل في ذلك فشلا ذريعا ، ورغم انه لم
يتزوجها ، الا انه لم يتخل عن رعايتها والاهتمام بشؤونها ، وترك لها في
وصيته مبلغا كبيرا .
ماذا كان هذا الرجل يقول عن اختراعه الجهنمي ..
الديناميت .. كان يقول : (( ليس هناك من شئ في العالم لا يمكن ان يساء فهمه
او استخدامه )) ، وبينما كان هو يريد استخدام المتفجرات التي اخترعها في
اعمال المناجم والمواصلات ، فقد راعه ان هذه المتفجرات قد استخدمت في
الحروب وقتل الانسان .
كيف كان هذا الرجل في حياته الخاصة ؟ كان يعيش حياة
بسيطة ، يرتدي ملابس عملية متواضعة ، بحيث ان من يراه لا يتصوره ابدا رجلا
مشهورا او ثريا ، ولكنه اذا تحدث ، ادرك من يحدثه على الفور انه رجل منطقي
دقيق ، وقد عاش نوبل حياته كلها يتناول غذاء بسيطا معينا ، ولم يكن يدخن
ولم يكن يشرب الخمر او يلعب الورق ، كما انه لم يرقص طيلة حياته في أي حفلة
حضرها ، ولم يتعلم العزف على الة موسيقية .
وقد بقيت صورته في خيال الذين عاصروه وعايشوه … انسان متوحد حزين ، ولكنه
مهذب ودود .
.